فصل: كتاب الصيام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التلقين في الفقه المالكي ***


كتاب الصيام

الصوم الشرعي هو ‏:‏ إمساك عن الأكل في جميع أجزاء النهار بنية قبل الفجر أو معه إن أمكن فيما عدا أزمان الحيض والنفاس وأيام الأعياد والذي يجب الإمساك عنه في الصوم نوعان أحدهما ‏:‏ إيصال شئ إلى داخل البدن والآخر إخراج شئ عنه فأما الذي يوصل إلى داخل البدن فما يصل إلى الحلق مما يساغ ويقع الاغتذاء به أو يساغ أو يتطعم أو لا يتطعم وذلك كالطعام والشراب المغذين وكالدراهم والحصى وببلعهما وسائر الجامدات التي لا يتطعم ولا يساغ ولا يقع بها غذاء ومثلها الكحل والدهن والشموم وغير ذلك من المائعات والجامدات الواصلة إلى الحلق وصلت من مدخل الطعام والشراب أو من غير مدخلها من المنافذ كالعين والأنف والأذن وما ينحدر من الدماغ بعد وصوله من بعض هذه المنافذ

والنوع الآخر ‏:‏ إيلاج الذكر في قبل أو دبر قارنه إنزال أو لم يقارنه فأما ما يخرج من داخل البدن فنوعان ‏:‏ إنزال الماء الدافق عن تلذذ ولا يحتاج أن نقول مما يمكن التحرز منه لأن ما لا يمكن ذلك فيه لا يصح الإمساك عنه والنوع الآخر عمد الاستقاء وإجهاد النفس فيه

فصل‏:‏ ‏[‏فيما يفسد الصوم‏]‏

فأما ما يفسد الصوم فثلاثة أنواع ‏:‏ أحدها ‏:‏ إعراؤه مما اشترط فعله فيه من النية والإمساك من غير مراعاة لصفة تركه من عمد أو سهو أو تفريط أو عذر أو تقصر في اجتهاد وذلك كترك النية عمدا أو سهوا أو خطأ أو حرم الإمساك عن شئ مما ذكرناه عمدا أو سهوا أو خطأ كالمجتهد في دخول الليل أو طلوع الفجر يتبين له أنه أكل في الوقت الذي كان يلزمه الإمساك فيه

والنوع الثاني ‏:‏ ما يكون عن غلبة وهو ينقسم إلى ضربين ‏:‏ ضرب منه لا يكون إلا كذلك فلا يصح وجوده إلا مفسدا للصوم وذلك كالحيض والنفاس المانعين من ابتدائه وقد يمنعان من استصحابه على وجه والضرب الآخر يتصور وقوعه عن غلبة وعن اختيار وذلك كالأكل والشرب وغيرهما مما عددناه فيصح وقوعه اختيارا وعمدا

وغلبته ضربان ‏:‏ ضرب يكون غلبته تنافي الاختيار وذلك كالمكره على الأكل فيأكل خوفا من القتل أو من الضرب المهدد به وضرب يكون غبته مبتدأة بالإيقاع دون فعل من المكلف كإيجار الطعام والشراب في الحلق وكذرع القيء ويقرب من الضربين سبق الماء إلى الحلق عند المبالغة في الاستنشاق

والنوع الثالث ‏:‏ لا يتصور وقوعه إلا عن اختياره وقصد وهو فعل ما ينافي - القربة وذلك نوعان ‏:‏ أحدهما ‏:‏ الردة والآخر اعتقاد قطع النية وترك استدامتها فهذا جميع ما يفسد الصوم

فصل‏:‏

فأما ما يتعلق على ذلك من الأحكام فأربعة أضرب ‏:‏ قضاء وكفارة وقطع متتابع وقطع نية وتفصيل ذلك يذكر فيما بعد

فصل‏:‏ ‏[‏في أنواع الصوم‏]‏

والصوم ضربان واجب ونفل والنية مستحقة في جميع أنواعهما يوقعها المكلف لكل يوم من كل نوع من ليلة ويستديمها إلى آخره حكما وليس عليه أن يستديم ذكرها فإن قطعها بطل صومه وأي وقت نوى من الليل جاز ولا يضره أن نام بعدها أو أكل أو جامع ذاكرا لها أو ساهيا عنها فإن طلع الفجر ولم ينو لم يصح منه صوم ذلك اليوم بنية يوقعها بعد الفجر وله في شهر رمضان أن يجمعه بنية واحدة ما لم يقطعه فيلزمه استئناف النية وجوز ذلك في شهري التتابع ولمن شأنه سرد الصوم استحسانا والقياس منعه وصوم شهر رمضان واجب مفروض على أعيان وللعلم بدخوله ثلاث طرق رؤية الهلال أ و الشهادة بها من رجلين عدلين والجنس والعدد مستحقان فيه فلا يقبل النساء ولا الواحد من الرجال فيه كانت السماء مصحية أو مغيمة وإكمال عدة شعبان ثلاثين عند تعذر ما ذكرناه وليس من جهات العلم بدخوله قول منجم أو حاسب

وإذا ترآى الناس الهلال فلم يروه فإن كانت السماء مصحية جاز أن يصام الغد أي أنواع الصوم كان ما عد اعتقاد رمضان وجاز أن يفطر بدلا من صومه وإن كانت السماء متغيبة وبات الناس على الشك فالاختيار إمساكه وترك صومه والأكل فيه من غير حظر كما يجوز مع الأصحاء ثم إن ثبت بعد طلوع فجره أن الهلال رئي في أمسه فلا يخلو المكلف من احوال إما أن يكون أصبح ناويا لصومه من رمضان قطعا أو على الشك لينظر فإن ثبت من رمضان كان أداء وإلا كان تطوعا أو أن يكون أصبح ناويا غير ذلك من أنواع الصوم أو غير ناو لصوم أصلا فأما من نوى صومه عن رمضان قطعا فإنه لا يجزئه وعليه قضاؤه وأما من نواه من غير رمضان فلا يخلو أن يكون نواه عن واجب في الذمة أو عن واجب متعين أو عن تطوع فإن نواه عن واجب في الذمة كالقضاء والكفارة والنذر غير المعين فلا يجزئة عما كان نواه ولا ينقلب عن رمضان وعليه قضاؤه لرمضان وإعادته عن ما كان نواه من غيره وأما الناوي به واجبا متعينا كناذر صوم يوم الخميس أو غد الليلة التي يقدم فيها فلان أو غيره فيوافق ذلك اليوم تعيين نذره فإنه لا يجزئه عنه ولا عن فرض يومه وعليه قضاؤه عن رمضان ولا قضاء عليه لفواته عن نذره

وأما من أصبح غير ناو لصوم فلا يخلو أن يكون أكل أو لم يأكل فإن كان أكل كف بقية يومه وإن كان لم يأكل استدام الإمساك إلى انقضائه وعليه في الحالين قضاؤه على ما ذكرناه

وتعيين النية واجب لكل صوم واجب فإن أطلق النية لم يجزه فإن عينها عن نوع منه لم يخل أن يكون في رمضان أو في غيره فإن كان في رمضان لم يجزئه إلا أن يعينه عن الشهر نفسه فإن عين غيره لم يجزه عن رمضان ولا عن ما نواه وإن كان في غيره أجزأه عن ما عينه وإن جمع في نيته بين وجهين مما يصح صوم اليوم عليه كان كمن لم ينو فلا يجزئه عن واحد منهما

فصل‏:‏ ‏[‏في أحكام رؤية الهلال‏]‏

وإذا لم ير هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان ثم رؤي من الغد كان الغد يوم رؤيته سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ولم يكف الناس عن الأكل هذا هو الظاهر من المذهب

ويلزم المنفرد برؤية الهلال ما يلزم من شورك في رؤيته من لزوم صومه ومنع فطره ووجوب الكفارة بتعمد إفساده أو ترك صومه من غير اعتبار بثبوته عند الإمام إلا أن عليه إعلامه برؤيته إن كان ممن يرى أنه تقبل شهادته ويلزم في الشهادة على هلال آخره ما يلزم في أوله فإن رؤي ثبت كون الغد من شوال وإن لم ير كان من رمضان ولزم صومه

فإن ثبت رؤيته بعد الفجر أفطر الناس عند علمهم بذلك أي وقت من اليوم وصلوا العيد إن كان قبل الزوال وإن كان بعده لم يصلوا في بقية اليوم ولا في غده

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان الأيام التي يجوز أويحرم الصوم فيها‏]‏

الأيام على خمسة أضرب منها ما لا يصح صومه بوجه وهي يوما العيدين ومنها ما يصح صومه على وجه مخصوص وهي أيام التشريق للمتمتع دون غيره ومنها ما يصح أن يصام ويكره على وجه وهو ثالثها ومنها مستحق العين لصوم مخصوص لا يصح صومه عن غيره وهو زمان رمضان ومنها ما يصح صومه على كل وجه من أنواع الصيام سوي رمضان وهو ما عدا رمضان وأيام أعياد

فأما زمان الحيض والنفاس فإن امتناع الصوم فيه ليس براجع إلى عينه وإنما يرجع إلى الصفة يكون المكلف عليها فيمتنع فيه ويصح في غيره

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان ما لا يفسد الصوم‏]‏

ولا يفسد الصوم ذرع قيء ولا حجامة وإنما كرهت خوف التغرير ولا إصباح على جنابة في الليل وانقطاع دم حيض أو نفاس إذا نوى الصيام قبل الفجر وتأخر الغسل ولا ركوب مأثم لا يخرجه عن اعتقاد وجوبه ومضيه على نيته أو إمساكه كالغيبة والقذف ولا يكره للصائم السواك في أي أوقات اليوم كان إلا ما يرجع إلى نوع ما يستاك به دون الوقت كالرطب المتطعم خيفة وصول طعمه إلى الحلق ويكره له ذوق قدر ومحو مداد ومضغ علك فإن سلم من وصول شئ من ذلك إلى الحلق فلا شئ عليه

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان الأحكام المتعلقة بفساد الصوم‏]‏

والأحكام المتعلقة بإفساد الصوم أربعة وقد ذكرناها وهي ‏:‏ القضاء والكفارة وقطع التتابع وقطع النية فأما القضاء فيختلف بحسب اختلاف أنواع الصوم ووجوه إفساده ولا يخلو الصوم المتروك أو المفسد من ثلاثة أقسام أما أن يكون واجبا متعينا أو واجبا غير متعين أو تطوعا والواجب المتعين ضربان ضرب متعين بتعيين من الله تعالى وهو رمضان وقضاؤه ما بينه وبين رمضان ثان ومتعين بتعيين المكلف كنذر صوم يوم بعينه يتكرر أو لا يتكرر واليوم الذي يقدم فيه فلان وما أشبه ذلك

فأما رمضان فيلزم قضاؤه بإفساده أو تركه على أي وجه كان جملة بغير تفصيل إلا على المفند الذي لا يستطيع صومه إلا بخوف التلف وأما المتعين سوي رمضان فيلزم قضاؤه مع عدم العذر في فطره ولا يلزم مع العذر الفاطر بالمرض والإكراه والإغماء والحيض والنفاس وخطأ الوقت والسهو إلا أن في هذين يجب إمساك بقيته فإن لم يفعل لزمه قضاؤهه وليس منه السفر

وأما الواجب غير المتعين كالقضاء والكفارة والنذر المطلق فحكمه حكم رمضان نفسه وفي وجوب القضاء بما يوجب قضاؤه بغير تفصيل

وأما التطوع فواجب على الداخل فيه إتمامه وليس له قطعة إلا عذر ومع الأعذار التي ذكرناها لا يلزم قضاؤه ويلزم مع عدمها وفي السفر الطاريء عليه والمبتدأ فيه روايتان

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان أنواع الكفارة‏]‏

فأما الكفارة فضربان ‏:‏ كبرى وصغرى فأما الكبرى فلا تجب إلا في رمضان دون غيره من أنواع الصوم وتجب بالخروج عن صومه على وجه الهتك من كل معتقد لوجوبه من رجل أو امرأة لكل يوم كفارة ولا يسقطها عن يوم وجوبها في آخر من غير اعتبار بالأنواع التي يخرج عن الصوم بها من أكل أو جماع أو غيره ولا بالوجه الذي يخرج عن الصوم من اعتقاد تركه أو بعد عقده بقطع نية أو إمساك ولا بطروء عذر بعد ذلك أو عدمه كمتعمد الفطر بمرض أو تحيض أو يسافر أو يجن

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان أحكام الكفارة الكبرى‏]‏

والكفارة الكبرى لثلاثة أنواع إعتاق رقبة كاملة غير ملفقة مؤمنة محررة

وتحريرها أن يبتديء إعتاقها من غير أن تكون مستحقا بوجه سابق والصوم هو صوم شهرين متتابعين والإطعام هو لستين مسكينا مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهي على التخيير دون الترتيب

وأما الصغرى فهي إطعام مد عن كل يوم ولا تجب إلا على مؤخر قضاء رمضان إلى مجييء آخر من غير عذر دون مؤخرة لعذر متصل

ولا تجب أيضا على من أفطر في رمضان لعذر يسوغ له الفطر من أجل نفسه أو من أجل غيره سوى أنها تستحب للمرضع والهرم وأما قطع التتابع فهو أن يفطر لغير عذر أو لعذر يمكنه دفعه كالسفر وأما ما لا يمكنه دفعه من سهو أو مرض أو خطأ عده أو حيض أو نفاس فله البناء معه وأما قطع النية فهو إفساد الصوم أو تركه على الإطلاق لعذر أو لغير عذر أو بحصول الوجه الذي يسقط معه الانحتام وأن أثر الصوم معه كالسفر والمرض ولا يقطع استدامتها وإنما يقطع استصحاب ابتدائها

فصل‏:‏ ‏[‏في حكم الصوم في السفر‏]‏

وكل مسافر يجوز له قصر الصلاة فيه فإن انحتام صوم رمضان ساقط عنه في ذلك السفر وهو مخير بين صومه فيه أو فطره وقضائه وصومه أفضل ولا ينحتم عليه إلا بأن يقيم بعزيمته في موضع لا أهل له به أربعة أيام بلياليها

فإن أقام هذا القدر أو طول مدة الشهر غير عازم على هذه المدة أو عازم على ما دونها فإنه على أصل التخيير والأعذار التي يسوغ معها الفطر في رمضان ضربان منها ما يجب الكف عن الطعام بزواله في بقية اليوم ومنها ما لا يجب ذلك فيه ويعتبر بأن تكون إباحة الفطر مطلقة مع العلم بكون اليوم من الشهر أو بشرط عدمه ففي الأولى لا يلزمه الكف كالمسافر والمريض والمرضع يموت ولدها والثاني يلزمه كالناسي ومخطيء الوقت أو العدة

باب الاعتكاف

الاعتكاف قربة ومن نوافل الخير ويلزم بالنذر ومعناه في الشرع ملازمة المسجد بنية تخصة مع صوم وأما لغيره والمرأة والرجل سواء فيه

ولا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلا لأربعة أمور ‏:‏

أحدها ‏:‏ حاجة الإنسان

والثاني ‏:‏ طرؤ حيض أو نفاس

والثالث ‏:‏ شراء طعام إن اضطر إليه

والرابع ‏:‏ مرض لا يمكنه المقام معه ويلزمه من حكم الاعتكاف في حال خروجه ما يلزمه في حال مقامه فإذا زال عذره عاد إلى المسجد حين زواله

ولا يجوز له الخروج لغير ما ذكرناه من عيادة مريض أو صلاة على جنازة وإن كانت لأهله ولا غيرها من الصلوات ولا كتبه علما أو غير ذلك ولا أن يشترط أن له ذلك حين دخوله والمساجد كلها سواء إلا لمريد اعتكاف أيام تتخللها الجمعة فينبغي له أن يعتكف في الجامع دون غيره لئلا يفسد اعتكافه لخروجه لصلاة الجمعة أو يترك به فرضها ويجتنب المعتكف الوطء وجميع أنواع المباشرة والاستمتاع من القبلة واللمس وذلك كله مفسد للاعتكاف إن وقع فيه

وكذلك ركوب شئ من الكبائر كشرب الخمر أو القذف وله أن يتطيب أو يعقد النكاح لنفسه ولغيره وليل المعتكف ونهاره سواء فيما يلزمه ويجتنبه إلا الصوم وينبغي له التشاغل بالذكر والعبادة والصلاة والدعاء وقراءة القرآن دون التصدي لغير ذلك من أفعال القرب كالانتصاب للأقراء وتدريس العلم والمشي لعيادة مريض أو صلاة على جنازة إلا أن يقرب ذلك من موضعه أو تكلم في يسير مما يسأل عنه من العلم ويختار له أن يدخل إلى معتكفه قبل غروب الشمس من ليلة اليوم الذي هو مبتدأ اعتكافه

والاختيار فيه إلا ينقص عن عشرة أيام وأقله يوم وليلة وفي حقيقة الواجب أن يدخل أن يدخل قبل طلوع الفجر بما يأمن معه أن يطلع قبل دخوله ويخرج عقيب مغيب الشمس فإن وافق اعتكافه آخر شهر رمضان استحب له ألا ينصرف إلى بيته إلا بعد شهود العيد وإن تخلف يوم الفطر زمان اعتكافه شهده ثم عاد إلى معتكفه كزمن الليل والاعتكاف مقتض بإطلاقه التتابع بخلاف نذر مطلق الصوم فمن قطع تتابعه عمدا أو جهلا أو بتفريط استأنفه وإن كان لعذر بنا عليه شاء الله

كتاب المناسك

الحج فرض واجب على مستطيعه من أحرار المكفين الرجال والنساء مرة في العمر وشروط وجوبه أربعة ‏:‏ البلوغ والعقل والحرية والاستطاعة

وشروط أدائه شيئان ‏:‏ الإسلام مع القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وإمكان المسير وذلك يختلف باختلاف العادة في الطرق من الأمن والخوف فأما الاستطاعة فمعتبرة بحال المستطيع فمن قدر على الوصول إلى البيت من غير تكلف بذلة يخرج بها عن عادته لزمه ذلك

فإن كان ممن لا يمكنه الحج إلا بزاد وراحلة لم يلزمه إلا بحصولهما له وإن وجد الزاد وعدم الراحلة لم يلزمه إلا أن تكون عادته المشي كالفيوج ومن جرى مجراهم فيلزمه وإن وجد راحلة وعدم الزاد لم يلزمه إلا أن تكون عادته المسألة

وليس المحرم للمرأة من الاستطاعة فإن وجد رفقة مأمونة لزمها الحج رجالا كانوا أو نساء ويلزم الأعمى إذا وجد قائدا والبحر لا يمنع الوجوب إذا كان يركب وغالبه السلامة

وفرض الحج ساقط عن المعضوب الذي لا يستمسك على الراحلة ولا يلزمه أن يحج غيره عنه

وفرض الحج على الفور لا يجوز للقادر عليه تأخيره وقد قيل ‏:‏ السنة والسنتين وذلك استحسان ورفق لصعوبته وموضع الاجتهاد في استطاعته

ومن مات قبل أن يحج لم يلزم الحج عنه في رأس ماله ولا في ثلثه إلا أن يوصى به فيكون في ثلثه ويلزم النائب في الحج عن غيره أن ينوي به من ينوب عنه ويكره لمن لم يؤد فرض نفسه أن ينوب عن غيره وإن فعل جاز ولم ينقب إحرامه به إلى نفسه ويكره التنفل بالحج قبل أداء فرضه ويصح إن وقع ولا ينقلب إلى الفرض والنيابة في الحج بأجر أو بغير أجر سواء والإجارة للحج صحيحة وهي على ضربين إجارة بعوض يكون ثمنا للمنافع كسائر الإجارات فذلك يكون ملكا للمستأجر فما عجز عن كفايته لزمه إتمامه من ماله وما فضل عن كفاية كان له والوجه الآخر يسميه أصحابنا البلاغ وهو أن يدفع إليه ما لا يحج به فهذا لا يجوز له صرفه في غير الحج فإن احتاج إلى زيادة رجع بها وإن فضل شئ رده

والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر ويكره تكرارها في السنة مرارا وحكمها في الاستطاعة والنيابة والإجارة حكم الحج

فصل‏:‏ ‏[‏في مواقيت الحج‏]‏

وللحج ميقاتان ‏:‏ ميقات زمان وميقات مكان فميقات الزمان شهور الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة قيل ‏:‏ جميعه وقيل ‏:‏ العشر الأول منه وفائدة الفرق تعلق الدم بتأخير طواف الإفاضة عن أشهر الحج ويكره الإحرام به قبل أشهره ويصح إن وقع ولا ينقب عمرة ولا ميقات للعمرة من الزمان ويصح الإحرام بها في كل وقت من السنة من غير كراهة إلا في أيام منى لمن حج

وميقات المكان خمسة مواقيت منقسمة على جهات الحرم وهي ‏:‏ ذو الحليفة وقرن لأهل نجد والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب ويلملم لأهل اليمن وذات عرق لأهل العراق وخراسان والمشرق

والأفضل الإحرام بالحج من ميقاته زمانا ومكانا ويكره تقديمه عليه ويلزم إن فعل وميقات العمرة من مواقيت الحج التي ذكرناها إلا لمن كان في الحرم فالاختيار له أن يحرم من الجعرانة أو التنعيم ولا يجوز لأحد يريد دخول مكة أن يدخلها إلا محرما إلا لمن كان يكثر الترداد إليها كالحنطابين ومن يحمل الفاكهة أو من يخرج عنها من أهلها لحاجة ثم يعود ومن سوي هؤلاء فلا يدخلها إلا محرما فإن خالف ذلك فقيل عليه الدم وقيل أساء ولا دم عليه ولا يجوز لمريد الإحرام إذا مر على بعض هذه المواقيت أن يتجاوزه فيحرم بعده لا إلى ميقات سواه ولا إلى غير ميقات إلا أن يتعداه إلى ميقات له كشامي يمر بذي الحليفة فأخر الإحرام إلى الجحفة والمار على ميقات من هذه المواقيت لا يخلو من ثلاثة أحوال ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن يكون مر عليها لحاجة دون مكة فهذا ليس عليه أن يحرم فإن تجددت له نية في الإحرام بعد تجاوزه أحرم من حيث هو ولم يلزمه عود إلى الميقات فإن تجاوز موضعه ثم أحرم لزمه الدم

والثاني ‏:‏ أن يريد دخول مكة فهذا يلزمه الإحرام

والثالث ‏:‏ أن يمر عليها مريد الإحرام فيلزمه الإحرام منها ولا يجوز له تأخيره إلى ما بعدها فإن تجاوزها رجع ما لم يحرم ولا دم عليه فإن أحرم مضى ولزمه الدم ولا ينفعه رجوعه ومن منزله بعد المواقيت إلى مكة فيمقاته منزله فإن أحرم بعده فعليه دم

والإحرام من الحرم جائز لمريد الحج ولا يجوز لمريد العمرة أن يحرم إلا من الحل فإن أحرم من الحرم كان عليه أن يخرج إلى الحل ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم وفي إحرام القارن من مكة خلاف

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان أركان الحج‏]‏

وأركان الحج أربعة ‏:‏ وهي ‏:‏ الإحرام والطواف والسعي والوقوف بعرفة وزاد عبد الملك رمي جمرة العقبة والقاطع للحج شيئان ‏:‏ فوات وإفساد فالفوات متعلق بالوقوف والفساد متعلق بالإحرام وذلك يذكر فيما بعد

والإحرام هو اعتقاد دخوله في الحج وبذلك يصير محرما وله الشروط من السنن والفروض

فأما السنن والمندوبات فأن يحرم من الميقات نفسه إن كان منزله منه أو قبله أو مر عليه وأن يغتسل له وأن يتجرد الرجل من مخيط الثياب والخفاف وأن يكشف وجهه ورأسه وأن يصلي نفلا ثم يحرم عقبيه فإن كان في وقت يمنع فيه النفل أقام إلى الوقت الذي يجوز فيه النفل إلا أن تمنعه ضرورة وإن أحرم عقيب مكتوبة جاز وعقيب النفل أفضل منه بغير صلاة جملة فإذا فرغ من صلاته ركب راحلته فإذا استوت به أحرم ولا ينتظر أن تنبعث به وإن كان ماشيا فحين يأخذ في المشي ويهلل للتلبية حين اعتقاده للإحرام رافعا بها صوته إلا النساء فيكره لهن رفع الصوت

فأما واجباته فإن يحرم من الميقات ولا يتجاوزه وأن يتجرد من مخيط الثياب وقت إرادته الإحرام ومن كل ما يمنع في الإحرام مما يفسده إذا طرأ عليه والتلبية سنة مؤكدة يبتدئها عند الإحرام ثم في أدبار الصلوات وعند كل شرف ويقطعها بعد الزوال من يوم عرفة وقيل عند الرواح إلى الموقف ويكف عنها في الطواف والسعي ويتشاغل بالدعاء ولا يكثر منها إكثارا يخرجه إلى الإسراف فإن قلل منها ولو مرة فلا دم عليه

فإن لم يأت بها جملة فعلية الدم والاختيار أن يقتصر في إحرامه على النية في تعيين ما ينويه دون التلفظ به

وصفة الإحرام بالعمرة صفته بالحج إلا وقت قطع التلبية فالمستحب للمحرم بها من بعض المواقيت أن يقطعها إذا انتهى إلى الحرم وللمحرم بها من الجعرانة إلى دخول مكة ومن التنعيم إلى رؤية البيت

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان محظورات الإحرام‏]‏

الإحرام يمنع الرجل عشرة أشياء ‏:‏ لبس المخيط كله وتغطية رأسه ووجهه ولبس الخفين والشمشكين مع القدرة على النعلين وحلق شعر رأسه وغيره من جميع بدنه والطيب وقص الأظفار وقتل القمل وقتل الصيد وعقد النكاح والوطء في الفرج وإنزال الماء الدافق والاستمتاع بما دون الوطء مكروه إلا أن يقارنه الإنزال فيفسده وذلك يذكر فيما بعد والمرأة مساوية للرجل في ذلك كله إلا في اللباس فإن عليها كشف وجهها ما فوق الذقن منه وكفيها فإن غطت بعض ذلك فانتفعت بترفيه فعليها الفدية وكذلك إن لبست القفازين

ويلزم الرجل الفدية بتغطية رأسه أو بعضه ولا يلزمه بتغطية وجهه وتلزمه بلبس المخيط والخفين وبفعل كل ما ذكرناه من محظورات الإحرام من إماطة الأذى واللمرأة لبس الخفين والمخيط كله والأحسن الإحرام في البياض ولا بأس به في غيره من الألوان إلا المعصفر فيكره له وللمحرم حك رأسه وجلده ويرفق فيما لا يراه من جسده خيفة قتل الدواب وكذلك يكره له غسل رأسه بما لا يأمن معه ذلك وله أكل ما طبخ بطيب واختلف فيا خلط به الطيب من الطعام من غير طبخ

وللرجل أن يكتحل بما لا طيب فيه ولا فدية عليه وعلى المرأة في الكحل الفدية بما فيه طيب وبما لا طيب فيه وما يوجب الفدية من ذلك فيوجبها عمدا وسهوا أو اضطرارا وجهلا

والفدية الواجبة به ثلاثة أنواع ‏:‏ صيام وصدقة ونسك مخير فيها غير مرتبة وفالصيام ثلاثة أيام يستحب تتابعها والإطعام ستة مساكين مدين مدين والنسك شاة وليس لشئ منها مكان مخصوص

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان أحكام الصيد‏]‏

ويحرم على المحرم في الحل والحرم وعلى الحلال في الحرم الاصطياد وإتلا صيد البر كله ما أكل لحمه وما لم يؤكل مما لا يتبديء بالضرر ويلزم الجزاء بقتله أو بتعريضه للقتل إلا أن يتبين سلامته مما عرض له وعلى المشارك من إكمال الجزاء ما على المنفر ويستوي في ذلك عمده وسهوه وخطأوه وجهله وضرورته واختياره ولا يسقط إلى في صولة إذا قصد دفعه فأدى إلى تلفه وأكل الصيد للمحرم جائز إذا لم يصد لأجله أو المحرم سواه فإن أكل مما صيد له دون غيره فعليه الجزاء

ومن قتل صيدا فأكله فعليه جزاء واحد لقتله دون أكله ولا يجوز أن يدل أحدا محرما على صيد ومن فعل ذلك أثم وكان الجزاء على القاتل دون الدال وللحلال أن يذبح صيدا مملوكا في الحرم وينهي عن قطع شجر الحرم ولا جزاء فيه والجزاء الواجب بإتلاف الصيد مثل المقتول أو مقاربه في الخلقة والصورة إن كان له مثل كالنعامة المشبهة للبدنة وحمار الوحش والإبل المشبهين للبقرة وحمار مكة المشبهة للشاة يخرجه هديا وما لا مثله فيه حكومة وذلك كالأرنب واليربوع وحمام الحل

واختلف في حمام الحرم سوى مكة فقيل كحمام مكة وقيل ‏:‏ كحمام الحل وصفة الجزاء فيما له مثل أن يحكم قاتل الصيد حكمين سواء فيخبرا له بين إخراج مثل الصيد المتلف من بهيمة الأنعام وبين قيمته طعام من غالب أنواعه بموضع الإتلاف أو بدلا من الإطعام صياما عن كل مد يوما أو كسوة ثوبا بالغا ما بلغ وفي صغير الصيد مثل ما في كبيرة من الجنس والصفة وأما ما لا مثل له فقيمة لحمه دون ما يراد له من الأعراض

وللمحرم قتل السباغ العادية المبتدئة بالضرر ولا جزاء عليه فيها وذلك كالأسد والذئب والنمر والفهد

ومن الطير الغراب والحدأة فأما الكلب العقور والحية والفأرة والزنبور والعقرب فله قتل ذلك بغير معني الصيد وليس من ذلك الصقر والبازي ولا القرد والخنزير إلا أن يتبديء شئ من ذلك بالضرر وقتل صغار ما يجوز قتل كباره من الصيد كالسباع والطير مكروه ولا جزاء فيه فأما صغار الحيات والعقارب والزنانبير فغير مكروه ولا يجوز إخراج شئ من جزاء الصيد بغير الحرم إلا الصيام ولا تصح تذكية المحرم الصيد ومن لم يجد من المحرمين إلا صيدا وميتة أكل الميتة ولم يذبح الصيد

فصل‏:‏ ‏[‏في أنواع الإحرام‏]‏

والإحرام على ثلاثة أوجه إفراد وتمتع وقران والإفراد أفضلها ثم التمتع فأما القران فصفته اشتراك العمرة والحج في إحرام واحد وذلك على ضربين ‏:‏ ابتداء وإردافا فالابتداء أن يحرم بهما في حال واحدة معتقدا ذلك في نيته دون لفظه والإرداف أن يبتديء الإحرام بالعمرة وحدها ثم يردف الحج عليها فقيل ‏:‏ ما لم يشرع في الطواف وقيل ‏:‏ ما بقي عليه شئ من عملها وفعل القارن كفعل المنفرد فيما يصفه وما يلزمه من فدية أو جزاء ويكفيه طواف وسعي واحد وللصيد جزاء وإنما يختلفان في النية

وأما المتمتع فله ستة شروط يجمعها أن يقال هو أن يأتي غير المكي بالعمر ة أو يقيتها في أشهر الحج ثم يحل منها ويحج من عامه قبل رجوعه إلى أفقه أو ما كان في حكمه من مسافة ومتي انخرم بعض هذه الأوصاف خرج عن المتمتع الموجب للدم وتفصيلها أن له ستة شروط ‏:‏ أحدهما ‏:‏ الجمع بين العمرة والحج في عام واحد والثاني ‏:‏ في سفر واحد والثالث ‏:‏ تقديم العمرة على الحج والرابع ‏:‏ أن يأتي بها أو ببعضها في أشهر الحج والخامس ‏:‏ أن يحرم بعد الإحلال منها بالحج والسادس ‏:‏ أن يكون المتمتع مقيما بغير مكة فأما الإفراد فما عري من صفة التمتع والقران ولا يكون القران إلا بين عمرة وحجة ولا يكون بين عمرتين ولا حجتين

ولا يصح إرداف عمرة على حجة فمن أحرم بحجتين أو بعمرتين لزمته واحدة ولا قضاء عليه للأخرى ومن أردف عمرة على حج لم يلزمه شئ بالإرداف ولا دم على المكي في قرانه إلا عند عبد الملك والواجب بكل واحد من التمتع والقران هدي ينحره بمنى ولا يجوز تقديمه قبل فجر يو النحر فمن لم يجده صام ثلاثة أيام في الحج وهي من وقت إخراجه إلى يوم عرفة فإن فاته ذلك فأيام التشريق وسبعة أيام يصومها في أهله ويجزئه إن صامها راجعا في طريقه ولا يجزيء الصوم ما دام متمكنا من الهدي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان صفة الحج‏]‏

ويستحب لمن دخل مكة محرما أن يدخل من كداء الثنية التي بأعلا مكة فيبدأ بالمسجد فيستلم الحجر بغيه إن قدر فإن لم يقدر وضع يده عليه ثم وضعها على فيه من غير تقبيل ثم يبدأ بطواف القدوم وسنته لغير المكي وصفة الطواف كله صفة واحدة وهي أن يبدأ بعد استلامه فيجعل البيت على يساره ثم يطوف خارج الحجر من الحجر إلى الحجر سبعة أشواط ‏:‏ الثلاثة الأولى خببا والأربعة مشيا فيستلم الحجر كلما مر به فإذا أتمه صلى عند المقام ركعتين ثم عاد فاستلم الحجر ثم مضى للسعي فيصعد على الصفا حتي يرى البيت فيكبر ويهل ويدعو بما يريده ثم ينحدر ماشيا إلى المروة فإذا ظهر عليها فعل مثل ذلك فإذا أكمل سبعة أشواط يبتدأ بالصفا ويختم بالمروة فقد كمل سبعة ويستحب له أن يسعى في الوادي بين الشعبين فإذا فرغ من ذلك فإن كان في وقته فضل خرج إلى منى يوم التروية فصلى بها الظهر والعصر وبات بها ثم راح إلى عرفة ليقف بها بعد الزوال وقطع التلبية حينئذ فجمع بها بين الظهر والعصر مع الإمام ثم يقف حيث يقف الناس فالاختيار أن يقف راكبا وأي موضع يقف منها جاز ويتنكب عن بطن عرفة ثم يستديم الوقوف إلى غروب الشمس فإذا غربت وهو بها دفع المزدلفة فيجمع بها بين المغرب والعشاء وبات بها في أي موضع شاء ما عدا بطن محسر ويحرك دابته إذا انتهى إليه فإذا صلى الفجر أتى المشعر الحرام فوقف عنده وكبر والله أكبر ودعا ثم دفع طلوع الشمس إلى منى فرمى بها جمرة العقبة وحدها راكبا ثم نحر هديا إن كان معه ثم حلق أو قصر والحلاق للرجال أفضل ثم عاد إلى مكة فطاف طواف الإفاضة ثم رجع إلى منى فبات بها ليالي أيام التشريق يرمي في كل يوم الجمار الثلاثة كل جمرة بسبع حصيات

وينصرف نهار أيامها في حوائجه فإذا خرجت أيامها وفرغ من رميه عاد إلى مكة فطاف طواف الوداع ثم انصرف هذا جملة أفعال الحج والمكي وغيره فيه سواء إلا في شيئين طواف القدوم وطواف الوداع فإن المكي غير مخاطب بهما ويقتصر على طواف الإفاضة إلا ما يتنفل به ويكون سعيه عقيب طواف الإفاضة والأفضل في أفعال الحج كلها أن تكون بطهارة فإن أتى بها محدثا جاز إلا الطواف فلا يجوز بطهارة ولا يجزيء منكسا ولا يجزيء إلا باستيفاء أشواطه فمن ترك شوطا أو بعضا منه أو من السعي عاد على إحرامه من بلاده لإتمامه وفي ترك ركعتي الطواف لمن رجع إلى بلده دم وفي ترك طواف القدوم لغيرب المراهق دم وفي ترك المبيت بالمزدفة لغير العذر دم وللإمام تقديم ضعفة أهله ليلة المزدلفة إلى منى بشرط الدم وقيل ‏:‏ إنها رخصت له خصوصا والحلاق نسك يثاب فاعله وما يفعل بمنى من رمي ونحر وحلاق فلا شئ في تقديم بعض منه على بعض إلا تقديم الحلاق على الرمي ففيه دم ولحج تحللان ‏:‏ تحلل أصغر وهو رمي جمرة العقبة بمنى يوم النحر وهذا التحيسل يبيح لبس المخيط وإماطة الأذى وغير ذلك ما عدا قتل الصيد والنساء ويكره الطيب ولا شئ فيه والتحلل الأكبر هو طواف الإفاضة يباح معه الصيد والنساء وجميع محظورات الإحرام

ويفسد الحج الوطء في الفرج كان معه إنزال أم لا وكل إنزال عن استمتاع بقبلة أو جسة أو استدامة نظر أو فكر ما لم يكن أحد التحللين وإكان بعد الرمي وقبل الطواف فعليه العمرة والهدي على الظاهر من المذهب

ويجب على مفسد الحج والعمرة المقضي فيهما واستيفاء أفعالهما وعليه قضاء فرضهما وتطوعهما ويتفرق الزوجان إذا أراد القضاء حين يحرمان ويلزم بفساد الحج بدنة تكون هديا ولا يكون الهدي إلا من بهيمة الأنعام يسوقه من الحل إلى الحرم وينحره في الحج بمنى ويلزم مريد نحره بمنى أن يقفه بعرفة فإن فاته ذلك نحره بمكة والمنحر في الحج منى وفي العمرة مكة

وتقلد البدن وتشعر وكذلك البقر إن كان لها أسنة ولا تقلد الغنم ولا تشعر ويوكل من الهدايا كلها إلا جزاء الصيد ونسك الأذى ونذر المساكين وهدي التطوع إذا عطب قبل محله

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان أحكام المحصر‏]‏

ومن أحصر بعدو فله التحليل بغير هدي ولا قضاء عليه إلا أن يكون ضرورة فيأتي بفرضه الذي عليه في الأصل والمحصر بمرض أو بما سوي العدو فلا رخصة له في التحليل وكذلك ضال الطريق ومن فاته الوقت لم يتحلل إلا بعمل العمرة وعلى جميعهم الهدي ولا رمي عليهم ولا شئ من أفعال المناسك

وللصغير حج يحرم به وليه وإن كان لا يعقل والزائد على نفقته في مقامه من حال وليه ومن بلغ من الصبيان أو عتق من العبيد بعد تلبسه بالإحرام أتمه ولم يجزئه عن حجة الإسلام

وليس لامرأة أن تحرم بغير الفريضة إلا بإذن زوجها فإن فعلت فله أن يحللها ولا لعبد أن يحرم بغير إذن سيده فإن فعل فلسيده أن يحله

فصل‏:‏ ‏[‏في أحكام الرمي‏]‏

جملة ما يرميه الحاج سبعون حصاة منها في يوم النحر جمرة العقبة بسبع وفي كل يوم الثلاث الجمار بإحدى وعشرين حصاة ولا يرمي إلا بعد الزوال إلا في يوم النحر وله أن يتعجل بأن يرمي ثاني النحر وثالثه ثم ينفر ولمن كان من رعاة الإبل ترك الرمي ثاني النحر ويرمي ثالثه ليومه ولأمسه وينفر ويسقط عنه رمي الغد ما لم يبت أحمد من الفريقين فيلزمه الوقوف إلى أن يرمي وطواف الوداع مستحب لا دم على تاركه

كتاب الجهاد

الجهاد من فروض الكفاية وقد يتعين في بعض الأوقات على من يفاجئه العدو ولا يجوز تركه إلى الهدنة إلا من عذر ولا يكف عنهم إلا بأن يسلموا أو يدخلوا في ذمتنا ويؤدوا الجزية في دارنا وينبغي أن يدعوا قبل قتالهم إلا أن يعاجلونا ويجوز النكاية في العدو بكل ما يقدر عليه من إحراق الأراضي الزروع والعلوفات وقطع النخل والشجر وعقر الدواب وإخراب البلاد ولا تمس النحل إلا أن تكون من الكثرة والاجتماع يؤثر إتلافها

وتخمس الغنيمة كلها عينها وعرضها سواء إلا الأراضي فإنها تترك وقفا والسلب وغيره سواء لا يختص به القاتل إلا بإذن الإمام إذا رأى ذلك ويأخذ الإمام من الغنيمة خمسها ويقسم بين الجيش أربعة أخماسها ولا يجوز الغلول ويؤدب فاعله ولا يحرق رحله ولا يحارم سهمه وللعسكر أكل الطعام وذبح الماشية وأخذ العلوفات بغير إذن الإمام ولا يحتسب له في الغنيمة وما حصل في أيد العدو من أموال المسلمين فإن أسلموا عليه كان لهم فإن عاد شئ من ذلك إلى الغنيمة فهو لمن كان يملكه من المسلمين يأخذه قبل القسم بغير ثمن وهو أحق به بعده بالثمن

ولا يجوز قسمه إن علم به والنفل كله من الخمس ويستحق الإسهام بثلاثة شروط ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن تغنم الغنيمة بقتال أو يجاف عليها بخيل أو ركاب فأما ما سوى ذلك ما ينجلي عنه أهله بغير قتال بل رهبة وفزعا فإنه في غير المقسوم يصرفه الإمام في مصالح المسلمين

والثاني ‏:‏ ما قوتل عليه فالإسهام مستحق فيه بشهود الواقفة عليه ولا يسهم لمن مات قبلها ولا لمدد إن جاء بعدها وليس من شروط من يسهم له أن يكون منه قتال ولا أن يكون صحيحا غير مريض ولا أن يبقى إلى انقضائها بل يسهم لمن حضر من صحيح ومريض قاتل أو لم يقاتل قاتل في أولها أو بقى إلى انقضائها

كان مقيما مع العسكر أو متشاغلا بكمين أو تجسيس ومثل ذلك السرية المنفصلة من جملة العسكر برأي الإمام فإن غنم العسكر شاركوهم في الغنيمة وإن غنمت السرية فالغنائم بينها وبين باقي العسكر خرجب بإذن الإمام أو بغير إذنه فإن خرجت ابتداء من البلد فالغنيمة لها خاصة

والثالث ‏:‏ أن يكون المسهم له من جيش يلزمه القتال وذلك بأربعة أوصاف العقل والحرية والذكورية وإطاقة القتال للبالغ والمراهق ومن سوى هؤلاء من العبيد والمرأة ومن دون المرأهق يرضخ لهم ولا يسهم وكذلك الإجراء والصناع والمسهم لهم ضربان ‏:‏ فرسان وأراجل فللفارس ثلاثة أسهم ‏:‏ سهم باسمه وسهمان باسم فرسه وللراجل سهم

ولا يسهم إلا لفرس واحد وإذا أجاز الإمام الهجن والبراذين أسهم لها ولا يسهم بغل ولا حمار ولا لما سوى الخيل لها ولا يسهم بغل ولا حمار ولا لما سوى الخيل

ولا يقتل النساء والصبيان ولا الشيخ الفاني ولا أهل الصوامع والديارات إلا أن يخاف منهم أذى أو تدبير وترد لهم أموالهم إلا أن يكون كثيرا فيؤخذ ويترك لهم اليسير

وأمان الأمراء نافذ وأمان غيرهم من سائر الناس عند مالك رحمه الله عليهم نافذ لا يجوز نقضه وقال غيره إليهم إجارته ورده فإذا أجيز فسواء كان من رجل أو امرأة أو عبد أو حر بالغ أو مراهق إذا عقل الأمان

والإمام في الأسرى مخير في خصال خمس وهي ‏:‏ القتل والاسترقاق والمن والفداء وعقد الذمة وفي الجاسوس الاجتهاد - وترد الرهائن وإن أسلموا ومن أسلم صلحا فأرضه ملكا له ومن أسلم من فتحت أرضهم عنوة فهي مغنومة لا ترجع إليهم بإسلامهم يسكنها الإمام من يراه ويأخذ خراجها ممن هي في يده وحكم الفيء والخمس والخراج والجزية واحد يأخذ الإمام حاجته منه بغير تقدير ويصرف الباقي في مصالح المسلمين ويعطي القرابة منه بالاجتهاد

كتاب الأيمان والنذور

الأيمان على ضربين ‏:‏ يمين جائزة ويمين ممنوعة فالجائزة هي اليمين بالله تعالى وبجميع أسمائه كالرحمان والرحيم والسميع والعليم وغير ذلك من أسمائه وبصفات ذاته كعلمه وقدرته وعزته كلامه وعهده وميثاقه وكفالته وأمانته والممنوعة الحلف بما عدا ذلك ثم هي بعد هذا على قسمين منها ما يصح رفعه فيسقط حكمه وهو القسم الأول الجائز ومنها ما لا يصح ذلك فيه وهو الحلف بغير الله وصفاته

ورفع اليمين بوجهين ‏:‏ بالاستثناء وبالكفارة

أما الاستثناء فإن يقرن بيمينه قوله ‏:‏ إن شاء الله وإصلابها غير قاطع ناويا بها الاستنثاء فإن قطعها عنه أو أطلق لم تكن شيئا إلا أن يكون قطعها بغير اختيار من سعال أو عطاس أو ما أشبه ذلك

وأما الكفارة فتذكر فيما بعد وأما النوع الآخر وهو ما لا يصح رفعه فضربان ‏:‏ أحدهما لا يتعلق به حكم كقوله ‏:‏ والنبي والكعبة وكقوله هو يهودي أو نصراني أو بربيء من الله أو من النبي أو من الإسلام أو أشرك بالله أو أكفر أو ما أشبه ذلك وكقوله لعمري أو عيشي أو عيشك كل هذا لا يتعلق به حكم ولا يتصور فيه رفع

والآخر أن يكون يمينا يإيقاع شئ معين أو بنذر معين فيلزم به تنفيذ ما حلف به كالطلاق والعتاق والمشي وغيره من نذر الطاعات ولا يرفع شيئا من ذلك استثناء ولا كفارة

والألفاظ التي يحلف بها في القسم ‏:‏ الأول قسمان أحمدهما ‏:‏ تجريد الاسم المحلوف به كقوله ‏:‏ والله لا فعلت والآخر زيادة عليه وهي ضربان ‏:‏ زيادة متصلة وزيادة منفصلة

والمتصلة هي الحروف نحو ‏:‏ والله وبالله وتالله وايم الله ولعمر الله والمنفصلة هي الكلمة نحو ‏:‏ أحلف وأشهد وأقسم فهذه إن قرنها بالله أو بصفات ذاته نطقا أو نية كانت أيمانا

وإن أراد بها غير ذلك أو أعراها من نية لم تكن أيمانا يلزم بها حكم ولفظ ما ضيها كمستقبلها وليس من الأيمان لا من ألفاظها ولا من معانيها تحريم محلل أو حظره كالمأكل والمشارب وغيرها إلا في الزوجة فإنه يكون طلاقا وفي العبد والأمة إن أراد به العتق لزمه وإن أراد التحريم من غير عتق لم يلزمه شئ

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان أنواع الأيمان‏]‏

والأيمان على ثلاثة أوجه ‏:‏ لغو وغموس وعقد

فاللغو والغموس لا كفارة فيهما والعقد هو الذي يتعلق به الكفارة

واللغو هو أن يحلف على شئ يظنه على ما حلف عليه ثم يتبين له خلافه وقيل ‏:‏ هو القول لا والله وبلى والله الجاري على اللسان من غير قصد والغموس هو الكذب فهذا أعظم من أن تكون فيه كفارة

والمنعقد هو اليمين على مترقب يمكن إتمامها وحلها كان متعلقها من فعله أو من غير فعله ثم لا بد فيه من أحد أمرين ‏:‏ بر أو حنث فالبر الموافقة والحنث المخالفة

والكفارة تجب بالحنث دون البر وصفة البر والحنث راجعة إلى لفظ اليمين فإن كانت اليمين على نفي فالحالف في الحال على بر وحنثه بإيقاع ما حلف على نفيه وإن كانت على إثبات كان في الحال على حنث وكان بره بالإيقاع ومجموع ذلك أربعة ألفاظ للنفي لفظان وهما ‏:‏ لا فعلت وإن فعلت فالحالف بذلك على بر لأنه بالانتفاء ما حلف عليه موافق وللإثبات لفظان ‏:‏ وهما ‏:‏ لأفعلن وإن لم أفعل فالحالف بذلك في الحال على الحنث لأنه بانتفاء ما حلف عليه مخالف وبره بأن يفعل إلا أن الكفارة لا تلزمه إلا أن ييئس من البر فيتحقق الحنث

وتجب بالمخالفة سهوا أو عمدا أو خطأ أو قصدا إلا أن يكره على اليمين أو يكون أمرا مضطرا إليه لا يمكنه الانفكاك منه فلا يحنث في ذلك القدر دون ما زاد عليه كالحالف لا ألبس ثوبا هو لابسه ولا أدخل دارا هو فيها ولا أركب دابة هو عليها فيلزمه النزع في أول أوقات الإمكان فإن زاد على ذلك مع الإمكان حنث

وأعداد الكفارة معتبرة بالأيمان دون متناولها فإذا حلف يمينا واحدة على عدة أشياء حنث بفعل واحد منها ولزمته الكفارة بذلك ثم لا شئ عليه في باقيها وإن حلف على شئ واحد بأيمان عدة قاصدا بها الاستثناء دون التأكيد والتكرار فإذا حنث كان عليه من الكفارات بأعداد أيمانه

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان ما يعتبر في الأيمان عند الإطلاق‏]‏

وتعتبر في اليمين ثلاثة أشياء أولها ‏:‏ النية فيحمل عليها إذا كانت مما يصلح أن يراد اللفظ بها كانت مطابقة له أو زائدة فيه أو ناقصة عنه بتقييد مطلقة أو بتخصيص عامه فإن عدم الحالف تحصيلها نظرا لسبب المثير لليمين ليعرف منه فإن عدم أجرى اللفظ على ما يقتضيه إطلاقه في عرف اللغة وعادة التخاطب دون عادة الفعل وذلك كالحالف لا آكل رؤوسا أو بيضا أو لا أسبح في نهر أو غدير فإن قصد معنى عاما وعبر عنه بلفظ خاص أو معنى خاصا وعبر عنه بلفظ عام حكم بنيته إذا قارنها عرف التخاطب كالحالف لا أشرب لفلان ماءا يقصد قطع المن دون عين المحلوف عليه وقد قال ابن القاسم ‏:‏ يؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان أنواع كفارة اليمين‏]‏

والكفارة أربعة أنواع ‏:‏ إعتاق وإطعام وكسوة وصوم

فالإطعام والكسوة والإعتاق مخير فيهما أيهما شاء أن يخرج جاز مع القدرة على ما معه ولا يجزئه الصوم مع القدرة على واحد منها والإطعام والكسوم لعشرة مساكين والعدد فيهما مستحق ولا يجوز النقصان منه ولا الزيادة عليه وهو بالمدينة مد بالأصفر وبالأمصار وسط مع الشبع وهو رطلان بالبغدادي وشئ من الأدام والكسوة أقل ما تجزيء به الصلاة ولا يجوز صرفها إلا إلى الأحرار من المسلمين الفقراء ويعطى الصغير المغتذى بالطعام ما يعطى الكبير

وأما الإعتاق فتحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب والكبيرة أحب إلينا من الصغيرة وخالية من شركة أو عقد عتق أو استحقاقه ويجمعه خمسة شروط ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن تكون مؤمنة

والثاني ‏:‏ أن تكون سليمة

والثالث ‏:‏ أن تكون كلها ملكا للمكفر

والرابع ‏:‏ ألا يكون فيها عقد من عقود العتق

والخامس ‏:‏ ألا يستحق إعتاقها حين ملكها بجهة غير الكفارة من نذر أو قرابة

وأما الصوم فثلاثة أيام يستحب متابعتها ويجزيء تفريقها وفي تقديم الكفارة على الحنث روايتان ويستوي في ذلك أنواعها

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان أحكام النذر‏]‏

النذور على وجهين ‏:‏ مطلق ومقيد فالمطلق ما استقل بنفسه عن شئ يتعلق به

والمقيد ما تعلق بما ذكرناه لقوله ‏:‏ عقيب النذر إن شفى الله مرضي أو قدم غائبي فالأول يلزم بإطلاقه والثاني عند وجود شرطه وسواء كان شرطه مباحا أو محظورا أو قربة أو معصية كان فعلا للنادر أو لغيرة من العباد أو من الله تعالى

والنذور نوعان ‏:‏ مجهول ومعلوم فالمجهول ما لا يتبين نوعه مثل أن يقول ‏:‏ لله علي نذر ولا يبين ما هو فهذا فيه كفارة يمين

والمعلوم ما يبين مخرجه لفظا أو نية ثم لا يعدوا ما يبين من ذلك أحد أربعة أنواع إما طاعة أو معصية أو مكروها أو مباحا ولا يلزم منها إلا الطاعة ويسقط ما عداها

ولا نذر في غير الملك إلا بشريطته ولا اعتبار بخلاف الوجوه التي يقع النذور عليها من لجاج أو تبرم أو غضب أو غير ذلك ومن حلف بصدقة ماله كله أو نذره لزمه ثلثه يوم حلف لا يوم حنث ويلزم نذر المشي إلى بيت الله في حج أو عمرة معينا إن عينه أو مطلقا إن أطلقه ويلزم المشي في الحج إلى آخر طواف الإفاضة وفي العمرة إلى انقضاء السعي وإن ركب في بعضه لعذر عاد قابلا فلفق المشيء وأهدى إلا أن يكون من الكبر أو المرض بحيث لا يطيق الرجوع فيجزئه الهدي إلا أن يكون الذي ركب يسيرا فيغنيه الهدي عن العودة

ومن نذر المشي إلى مسجد الرسول أو الأقصى لصلاة فيهما لزمه ومن نذر ذبح في يمين أو على وجه القربة فدى عنه هديا وإن نذره مجردا لم يلزمه ومن نذر هديا من مال غيره فلا شئ عليه ويلزمه نذر ماله فيهديه إن كان يهدي مثله أو يبيعه إن كان مما لا يهدي مثله ويصرف ثمنه في هدي

كتاب الضحايا والعقيقة

والأضحية سنة مؤكدة يخاطب بها كل قادر عليها إلا الحاج بمنى وهي إراقة دم كامل لكل مضح منفرد به غير مشارك في ثمنه وإن ضحى رجل بأضحية واحدة عنه وعن أهل بيته بغير عوض جاز ولا يكون إلا من بهيمة الأنعام

وأفضل الأجناس منها ‏:‏ الغنم ثم البقرة ثم الإبل والعجول من كل جنس أفضل من الإناث

وسنها من الضأن الجذع ومما سواه الثني ويتقي فيها كل عيب ينقص اللحم أو مرض الحيوان وذلك كالأعمى وبين العور والعجفاء والظلع وقطع بعض الأعضاء المأكورة أو نقصانه في أصل الخلقة وكذلك الشديدة المرض والمكسورة القرن إن كان يدمى

ومحلها الأيام المعلومات وهي ثلاثة أيام يوم النحر وثانيه وثالثه فأما رابعه فليس من المعلومات وتعجيلها يوم النحر أفضل

ويستحب أن يلي ذبحها إن كان ممن يحسن الذبح وإن استناب فيها من هو من أهل القربة أجزأه

وذلك المسلم العاقل فقط حرا كان أو عبدا رجلا أو امرأة بالغا أو مراهقا ووقتها بعد الصلاة والخطبة وبعد ذبح الإمام إن كان ممن يظهر النحر وذلك الأولى به وإلا فليتحر الناس وقت ذبحه أو ذبح أقرب أئمة البلد إليهم ثم إن بان لهم الغلط في تحريهم فلا شئ عليهم ويسمى عند ذبحها ويكبر ولا يباع شئ منها ولا يعاوض به لجار ولا يصرف في ماعون ولا غيره ويجوز أن يطعم الغني والفقير ويأكل منها المضحى ويدخر القدر الذي يجوز أكله

فصل‏:‏ ‏[‏في بيان حكم العقيقة‏]‏

والعقيقة سنة مستحبة غير واجبة وهي شاة كاملة عن كل مولود ذكرا كان أو أنثى ووقتها سابع يوم الولادة فإن فات فاتت بفواته وقيل السابع الثاني

ويحسب السابع إذا سبقت الولادة فجره وإن تأخرت عنه ألغى وحسب غده وسنتها في الجنس والسن واتقاء العيب ووقت الذبح من اليوم وجواز الأكل سنة الأضحية وكسر عظامها مباح غير ممنوع ولا مندوب وحلاق رأس المولود والتصدق بوزنه جائز لمن أراده وتلطيخه بالدم ممنوع وإبداله بالخلوق جائز والختان واجب بالسنة في الذكور ومثله الخفاض في الإناث وليس بواجب وجوب فرض

باب الذبائح

يتعلق بالذكاة خمسة أشياء ‏:‏ أنواع التذكية وشرط كل نوع منها وصفة الذابح وصفة المذكي وصفة الآلة المذكى بها فأما أنواع التذكية فهي ثلاثة ‏:‏ الذبح والنحر والعقر فأما العقر فإنه في غير المقدور عليه وهو في المتوحش طبعا ما لم يقدر عليه وذلك يبين في بابه

وأما النحر والذبح ففي المقدور عليه إنسيا كان أصله أو وحشيا فتأنس أو قدر عليه مع استيحاشه أو كان غير مقدور عليه لتوحشه بعد أنسه ولا تبيح الضرورة فيما ذكاته النحر أن يذكى كالبعير يقع في بئر فلا يوصل إلى تذكية في حلقه ولبته

فأما شروط الذكاة ‏:‏ فشرط الذبح هو استيفاء قطع الحلقوم والودجين في قطع واحد

وأما النحر ففي اللبة والنحر سنة ذكاة الإبل ويجوز ذبحها للضرورة والذبح سنة ذكاة الغنم ويجوز نحرها للضرورة وسنة البقر الذبح والنحر جائز فيها من غير ضرورة وما ذكى من ذلك بغير سنته لغير ضرورة فقيل ‏:‏ لا يؤكل تحريما وقيل كراهة

فأما سنته ومندوباته فأربعة ‏:‏ إحداد الآلة والتسمية واستقبال القبلة والصبر عليها إلى أن تبرد فإن ترك كله أو بعضه سهوا أو عمدا كره له ولم تحرم الذبيحة إلا في ترك التسمية فإن تعمد تركها يحرمها عند جمهور أهل المذهب إلا أن يتأول

فأما صفة الذابح فأن يكون مسلما أو كتابيا عاقلا عارفا بالذبح قاصدا به التذكية فإن قصد اللعب أو إتلاف البهيمة أو دفعها عن نفسه أو تجريب السيف ولم يقصد التذكية لم يكن ذلك ذكاة وإن أصاب صورتها وليس من شرطه الذكورية ولا البلوغ إذا كان مراهقا يتأتى منه الذبح ويعرف شروطه

ولا يجوز ذبح الكافر غير الكتابي ولا المجنون ولا السكران

فأما صفة المذكي فأن يكون حيا غير ميئوس من بقائه مثل أن يكون قد أصابه من وقذ أو نطح أو ترد أو عرقا أو حرقا أو عقر سبع أو غير ذلك مما يعلم معه أنه لا يعيش بمستقر العادة فمتى أصابه بعض ذلك لم تصح تذكيته

وأما الآلة المذكى بها فأن تكون مما ينهر الدم ويحصل به القطع جرحا كالمنحدد من السيف والسكين والرمح والحرية والزجاج والحجر والقطب الذي - له حد يصنع ما يصنعه بحد السلاح ولا يجوز التذكية بسن ولا ظفر متصل بالمذكي ولا منفصل ولا بمثقل